Friday 30 March 2012

حياة


 
إيمان مرسال



      لم يحدث هذا في بيت أهلي، بالتأكيد ليس بين من ظننت أنهم يعرفونني
حياتي التي فشلت دائماً في لمسها، في أن أجد صورة لي معها، بجانبي على نفس السرير، تفتح عينيها بعد غيبوبة طويلة، تتمطع كأميرة واثقة أن قصر أبيها محميٌّ من اللصوص، أن السعادة تحت الجلد رغم الحروب التي لا تنام.
       تلك الحياة التي حشر فيها أكثر من أب طموحه، أكثر من أم مقصاتها، أكثر من طبيب مهدئاته، أكثر من مناضل سيفه، أكثر من مؤسسة غباوتها، وأكثر من مدرسة شعرية تصورها عن الشعر. حياتي التي جرجرتها خلفي من مدينة لمدينة، وانقطعت أنفاسي في الجري وراءها من المدرسة إلى المكتبة ومن المطبخ إلى البار، من الناي إلى البيانو ومن ماركس إلى المتاحف ومن ذكرى رائحة جسد إلى الحلم بصالة في مطار ومن كل ما لا أعرفه إلى كل ما لا أعرفه. حياتي التي فشلت حتى في التأكد من وجودها، بجانبي على نفس السرير، تفتح عينيها بعد غيبوبة طويلة، تتمطع كأميرة تعرف أن قصر أبيها محميٌّ من اللصوص، أن السعادة تحت الجلد رغم الحروب التي لا تنام.
       هكذا استيقظت في أرض غريبة ذلك الصباح الذي بلغت فيه الأربعين، ولولا أن الله لم يرسل نساء من قبل لقلت إنها أول إشارات النبوة، ولولا مزاجي الخاص لاستشهدت بكلام محمود درويش عن "امرأة تدخل الأربعين بكامل مشمشها" أو بكلام ميلوش عن الباب الذي فُتح بداخله فدخل.
       أمامي طابور من الموتى الذين ماتوا ربما لأنني أحببتهم، بيوت للأرق داومت على تنظيفها بإخلاص في أيام العطلات، هدايا لم أفتحها لحظة وصولها، قصائد سُرقت مني سطراً سطراً حتى أنني أشك في انتمائها لي، رجال لم أقابلهم إلا في الوقت الخطأ ومصحات لا أتذكر منها إلا الحديد على الشبابيك. أمامي حياتي كلها؛ حتى أنه يمكنني ضمها إذا شئتُ، يمكنني حتى الجلوس على ركبتيها والغناء أو العويل.  

من "حتّى أتخلّى عن فكرة البيوت"، دار شرقيات بالقاهرة ودار التنوير ببيروت. ٢٠١٣.