Wednesday 16 November 2011

مجرد سؤال: هل معركة علياء المهدي تخصّنا؟




يبدو أن السلفيين هم أكثرنا اتساقاً وسعادة في تلقي عّري علياء المهدي ؛  إنه مجاز آخر يُضاف لأرشيف مجازاتهم المعروفة عن الحلوى المكشوفة التي يقف عليها الذباب والحلوى المصونة المغلّفة التي لا تنكشف إلا لمن يأكلها فقط . عُري علياء دعم سهل لكل ما يقف خلف هذا المجاز من سلطة للنص أو بمعنى أصح لتأويله ومنطقته. سيعطي هذا العري دفعة جديدة لخلق مجازات جديدة عن الكفر والانحلال والغرب والاسلام وعن المرأة كقنبلة موقوتة ستنفجر إذا لم يتم سحب الفتيل منها أو على الأرجح سحبها هي نفسها من مجال الشوف. ناهيك بالطبع عن فرصة النظر إلى صورة عارية لجسد محليّ دون أدنى شعور بالذنب حيث الجسد الذي في الصورة هو دليل إدانة ويجب إضافته لملفات الجريمة.

قهوة الشمس بالقاهرة
    أنا منزعجة، أوكي؟ وما زلت أبحث عن أسباب ذلك، مثلاً.. هل أحد أسباب الانزعاج هو موقف السلفيين أو غيرهم من الصورة وصاحبتها؟  من استخدام مستقبليّ طويل المدى لهذه الصورة؟ هل أنا في حوار أصلاً مع السلفيين؟ هل عجز المنادون بتغطية الحلوى يوماً في إيجاد مبررات طازجة لاثبات قناعاتهم حتى ينتظروا صورة علياء؟. أوافق البعض في أن الاحتجاج... المعارضة... الثورة التي تستخدم نفس آليات وأدوات ما تثور عليه تعيد انتاجه ولا تهزمه، تثبت نقيضها ولا تشكك فيه بل قد تجعله يحسّن في أفضل الأحوال أدوات هيمنته ويطورها. نعم، لكن هل فعلاً  صورة علياء من ستثبت قناعات السلفيين والمحافظين والمنادين باختفاء المرأة من كل فضاء عام؟ هل يحتاج هؤلاء فعلاً متطرفاً يساوي تطرّف أفعالهم لتدعيم جبال اليقين؟
لماذا يتم تلقّي عُري علياء على أنه فعل احتجاجي ضد خطابات السلفيين والمحافطين ومتديني الطبقة الوسطى في مصر فقط؟ ضد النفاق العام فقط؟ ألا يمكن أن يكون هذا العُري موجهاً ضد شخص مختلفٍ مع هذه الخطابات؟ ألا يمكن أن يكون هذا العري موجهاً لـ"نا" أيضاً.. أقصد لهؤلاء الذين يظنون أنهم "متحررون" ويسخرون من خطابات السلفيين صباح مساء (علّق رجل متحرر في مدونة علياء بـ "أنا أشجعك، هذا عمل رائع" ولكن بمجرد أن سأله أحدهم "هل ترضى هذا لأختك أو أمك؟" كان الرد "مالك يا ابن ... بأختي أو أمي؟". باختصار هل عري علياء يخصني كتهمة أو كانجاز حتى لو كنت لا أريد ولا أنوي ولا أجرؤ أن أقوم به أنا نفسي؟

 لأن بياناً تضامنياً مع سيد القمني وُجد على مدونة علياء فقد تم سؤاله في برنامج 90 دقيقة بالتليفون كمتهم عنده فرصة ليترافع عن نفسه، ورد الرجل بأنه "مش ناقص" وأن "المسألة تخص التيار العلماني كله أمام من يظنون أنهم يمثلون تيار الفضيلة" و"أنا غير مسئول عن قرائي" و"عندي قراء هم نجوم السماء بتاعتي كلهم أطباء ومهندسين وعلماء" وأن المسألة كارثة (...) لكن ما اقدرشي أقول لها انت أذيتينا كلنا"، أما عن البنت موضوع الصورة الكارثة على "الليبراليين" فقد أبدى القمني رغبته في الفهم أكثر من الادانة "بنت ما نعرفشي ظروفها الشخصية ايه، مش هتعمل كده أي بنت إلا إذا كانت تعاني من خلل اجتماعي، فين الأسرة؟ فين الأب؟". البنت التي قد تكون ضحية عند القمني وقد تكون ناشطة من بتوع التحرير كما يحلو للإعلام وصفها تبدو فعلاً ككارثة لم يتوقعها أحد. نفت حركة 6 ابريل انتماء صاحبة الصورة لها وهذا مفهوم تماماً لأنه ببساطة حقيقيّ، ولكن لماذا ادّعى آخرون انتماء صاحبة الصورة للحركة ضمن حملتهم المنظمة لتشويه 6 ابريل؟ هل الحركة السياسية قبيلة مسئولة عن تصرفات كل فرد فيها؟ أب سيحمل عار ابنته إلى القبر؟ هل الليبراليون قبيلة أيضاً؟

قرأت اليوم (15 نوفمبر 2011) على بعض صفحات الأصدقاء هروباً أكثر ذكاء من هذه الأسئلة (للأمانة جاء هذا الكلام في رأسي أمس)؛ أشياء من قبيل "ليس وقته" أو "عندنا أشياء أهم مثل الدستور والانتخابات والمجلس العسكري والفقر.. " طبعاً، تفكير عقلانيّ نقديّ وموضوعيّ ويا دار ما دخلك شر. ولكن عندما توقفت عن الكتابة لأعمل قهوة وجدتني فجأة اضحك بصوت عالٍ .. تفكير نقدي؟ أحيه؟ منذ متى تغرينا هذه المقولات الحامضة؟ أبسبب جنون رموز عصر النهضة العربية بعقلانية الغرب التي كفّرنا بها؟ بل التي كفر الغرب نفسه بها؟ ألم يكن الاحتلال عقلانياً؟ أليست الرأسمالية العالمية الآن هي قمة تطور التفكير العقلاني؟  هل الثورة كانفجار تاريخي فعلٌ عقلانيّ أصلاً؟ ألم يرحب نفس التفكير العقلاني العلماني التنويري في ثقافتنا بحرية المرأة على أن لا يعلو سقف الحرية عن ركبتها؟ على أن تكون جزءاً من مشروع الدولة الناهضة وقوميات النشامى والشرف الذي يراق على جوانبه الدم؟ هل صورة علياء العارية تستدعي التفكير المنطقي أم أنها "كرسي في الكلوب" وقد يحتاج إلى بعض الخيال؟

إذا كانت علياء ناشطة أو مجرد مشارِكة من بتوع التحرير كما يصفها البعض، فهل كان يجب عليها الالتزام بمطالب الثورة وأن تؤجل ثورتها الشخصية حتى يصبح كل شيء تمام، ما هو الوقت المناسب، بعد الانتخابات مثلاً؟ حتى ينتهي الرجال من كتابة الدستور؟ 
 لقد هاجرت أيقونة الثورة الجزائرية جميلة بوحريد من بلدها المحرّر إلى فرنسا التي احتلت بلدها وهي لم تتعرَّ على حسب علمي (حد عنده فكرة ليه هاجرت؟)، ولقد قام المجلس العسكريّ المصري "حامي ثورة 25 يناير" كما يدعي بالكشف على عذرية معتصمات من ميدان التحرير(أمام ضباط وعساكر مهمتهم الحفاظ على شرف الأمة)، ولقد أعلن رئيس المجلس الانتقالي الليبي قبل أن يجف دم الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل التخلص من الزعيم الأوحد والديكتاتور الواحد بأنه مع "تعدّد الزوجات" ، كأن التعددية التي حقّ للثورة الليبية أن تقوم وتنتصر من أجلها كان من أولوياتها توفير أربعة فروج لكل عضو ذكريّ. (فشلت في حذف هذه الفقرة فاعتبروها ثرثرة كان يمكن تفاديها). ما أريد قوله هو هل تتجزأ الثورة؟ وهل لهذا التجزؤ دور في انتظار ثائرات ثورة 1919 عقود من أجل حق الانتخاب؟ أو لانتظار المشاركات في دولة عبد الناصر القومية الناهضة لحق الطلاق؟ أو لاحساس ثائرات 2011 بأنهن أيضاً رجعن من الميدان خاليات الوفاض.

الذعر الحقيقي أصاب بعض إن لم يكن معظم من يؤمنون بحرية التعبير وأنا منهم؛ ما الذي يجعل علياء تضحي بنفسها هكذا؟ من أجل ماذا بالضبط؟ أفكر فيها كشخص أصبح موضوعاً، يالتعاسة أن يصبح شخصاً - أياً كان - موضوعاً. ومثل القمني أفكر فيها لوهلة كـ "ضحية"، كنتاج "خلل اجتماعيّ"، كعينة على "العبث"؛ هل هي بريئة، صغيرة أم حمقاء أم كل هذه الصفات معاً؟ أتعاطف معها للحظة وأنتبه إلى أنه كان يمكن أن يكون لدي بنتاً في مثل عمرها فيزعجني أن يكون الارتباك الذي سببته لي و"لنا"  له علاقة بالأجيال، بأننا آباء ولا نستطيع أن نفهم كيف يحتجّ أبناؤنا.

إذا كان عُري علياء قد سبب ذعراً لبعض العلمانيين والليبراليين والمؤمنين بحرية التعبير  فهذه هي المفاجأة الأهم التي نتجت عن براءتها أو ثوريتها أو حمقها.  مفاجأة لا أعرف إذا كانت قد قصدتها وهي تقف أمام الكاميرا أم لا. ما الذي كان في خاطرها وهي تقف أمام الكاميرا على أي حال؟ بوجه طفلة وفرج لا يدعي أنه فريد أو منتهك أو يريد أن يُنتهك؟ هل نظرت في المرآة وهي تثبت هذه الوردة الحمراء بدبوس للشعر؟ يبدو الحذاء محافظاً في تصميمه، حذاء بدون كعب مدبب ولا يحدث صوتاً وصاحبته تسير تجاه العدسات التي ستثبّت عريها للأبد، ولكن للأمانة لونه الأحمر يشكك في حياده. أيضاً الشراب يحسم هذا التردد بين تصميم الحذاء ولونه، إنه اقتراح آخر، رغبة  في إقناع من سيتعاطفون معها بمنطق الآباء بأنها ليست طفلة، كأنها تقول تعاطفكم سببه أنني أربكتكم، أنتم لا تعرفون هل تقبلون عريي أم لا، أنا لا يهمني تعاطفكم.

هل يمكن أن يكون الانزعاج هو ببساطة بسبب "العُري"؟ أنني وغيري لم نفكر أصلاً من قبل - ناهيك عن أن نتوقع -  أن يأتي اليوم لنسأل هل نحن فعلاً عندنا حواس مدربة لتلقي العري، لاحترامه، لفهمه خارج سياق الدفاع عن حرية "الفن الراقي" في التعبير،  أليست مسألة حرية التعبير تنفجر عادة في مواضيع تخص النخبة وفنانيها ومتاحفها وأفلامها؟
 .  
إذا كان الواحد ضد فكرة العري ولا يرى فيها إلا الوجه الآخر للاختباء خلف جدار أو نقاب فما الذي عليه قوله أمام عُري علياء؟ هل يدافع عن حريتها الشخصية في التعبير أم يتخلى عنها؟ وهل هناك معنى للدفاع عن حرية التعبير لو كنا ندافع فقط عن حرية من يتفقون معنا فيما يعبرون عنه؟ .

 يمكننا بالطبع الخروج من هذا المأزق بمقولة من قبيل "نحن مع حرية التعبير ولكن على أن يكون لها سقفاً؟". أي سقف هذا ومن لديه صلاحية وحق تحديد ارتفاعه أو انخفاضه بالسنتيمترات أو بقائمة الملابس التي يمكن خلعها أمام الكاميرا . مَن سيقوم بهذا الواجب القومي؟ أنا أم علياء أم الشيخ عبد المنعم الشحات أم جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بفروعها المتعددة في مصر؟