Pages

Tuesday, 11 June 2013

كلام قديم عن تفكيك وزارة الثقافة المصرية

كلام قديم عن تفكيك وزارة الثقافة المصرية

نُشر هذا المقال على الفيسبوك في 16 فبراير 2011..لم يعد يعنيني ما فيه من أفكار، بل وأشعر بالخجل من التفاؤل الذي به.. لكن لم أكن أتصور أن المثقفين سيعتصمون بعد ذلك بأكثر من عامين من أجل إقالة وزير الثقافة أو ضد أخونة الدولة .. بدون أي تصور لما يريدون عمله بهذه الوزارة بعد ذلك الوزير أو ذاك

 

February 16, 2011 at 7:35 pm
مقدمة لابد منها
أعزائي، سألني الصديق محمد فرج عن الاشتراك في تحقيق لجريدة الأخبار المصرية عن ضرورة وجود وزارة ثقافة من عدمه وعن مهامها إن وجدت في المرحلة القادمة، وقد طال رأيي لدرجة أنه لم يعد يصلح لهذا التحقيق وأصبح هذه الورقة أو المسودة التي أتمنى أن تقرأوها وتنتقدوا بنودها وتضيفوا ما ترونه هاماً، فهي ليست مقالة بل رغبة في فتح حوار جماعي يناقش مؤسسة محددة تعرفون جميعاً مدى فسادها وتعرفون أيضاً أن تغيير وزيرها أو بعض رموزها لن يفكك هذا الفساد

بعد أيام من تنحي مبارك توجد مؤشرات كثيرة أن نظامه لم ولن ينتهي في 18 يوماً. أعتقد أن هناك أسئلة كثيرة عندنا جميعاً عن أهمية وكيفية تفكيك هذا النظام من أجل خلق نظام ديمقراطي حقيقي وعادل، قادر على حماية نفسه من الفساد،  يحترم المواطنة وحرية التعبير ويعطي للجميع الحق في الانتماء والتفكير والتغيير. لن أعيد المطالب التي اتفقت عليها معظم القوى الوطنية هنا، ولن أناقش المخاوف الحقيقية من التلاعب بها. أعتقد أن فتح حوار حول تفكيك إحدى مؤسسات نظام مبارك وهي "وزارة الثقافة" هو من الضرورات. وهذا يعني أنني شخصياً أشجع وأفهم ضرورة المظاهرات الفئوية والعمالية من ناحية، ودور الأفراد والجماعات فى فتح حوار فيما بينهم حول قوانين وتركيب وسياسة ورموز الحقول والمؤسسات التي يعملون أو يهتمون بها، حتى لا تصبح هذه الثورة مجرد انتفاضة تحصل على بعض المكاسب والترضيات بالتخلص من عدة رموز مع بقاء مؤسسات الفساد كما هي

من أجل حوار جماعي حول تفكيك وزارة الثقافة
 كثيراً ما تمنيت ألا تكون هناك وزارة ثقافة، ولكن ربما كان هذا الرأي العاطفي مجرد غضب ورفض لسياسة وزارات الثقافة في مصر. الآن، وأنت تشعر أن مساهمتك في مناقشة موضوع كهذا ربما يكون لها قيمة وهذا أحد انجازات ثورة 25 يناير بالتأكيد، أظن أن وجود مؤسسات تخدم الثقافة ضرورة في بلد كبلدنا، لأسباب كثيرة منها الفقر، ومستوى التعليم، وحتمية مشاركة مؤسسات الدولة في حماية أماكن التراث الروحي والمتاحف والمكتبات العامة من ناحية، وأهمية اشتراكها مع المؤسسات الأهلية التي ازدهرت في العشر سنوات الأخيرة في توفير مصادر المعرفة كحق لكل فرد من ناحية أخرى. سأطرح فقط بعض النقاط كبداية للنقاش
:
 1- واحد
أول قانون يجب مناقشته والضغط لتغييره من أجل تشجيع الجمعيات الثقافية المستقلة التي هي أكثر الضمانات أهمية في مواجهة / ومع مؤسسات الدولة الثقافية هو قانون 84 لسنة 2002 والذي لم يكن إلا تعديلاً شكلياً لقانونيّ 32 لسنة 1964 و53 لسنة 1999المقيدان لحرية تشكيل جمعيات أهلية وبالذات ثقافية. هذه القوانين تقصر مفهوم مؤسسات المجتمع المدني التي يجب أن نشجعها ونحميها على المؤسسات الخيرية وتفرض رقابتها القاتلة لوأد أي مشروع جماعي ثقافي

اثنين  - 2
    تفكيك الجسم الضخم الذي يسمى "وزارة الثقافة" والتركيز على مؤسسات ثقافية منوط بها خطط خدمية ثقافية محددة هو سعي للتحرر من تراث الدولة الشمولية الذي بدأ تأسيسه في الخمسينيات وظل فاعلاً حتى الآن، وزارة الثقافة في مصر اشتغلت دائماً على أنها وزارة إرشاد قومي تسيد خطاباً ما، أو تبعية ما، أو ذوق أدبي ما، وكان أول أولوياتها تجميع المثقفين في حظيرة وتوزيع الفتات عليهم طبقاً لقربهم أو بعدهم من سياسة الدولة. ما يمكن مناقشته الآن هو مجموعة من المؤسسات التي تتبنى خططا مدروسة لتوفير أماكن (مكتبات، دور سينما، مسارح، قاعات عرض) ومصادر المعرفة المتعددة لكل مراكز مصر وأطرافها

     3- ثلاثة
إنها مؤسسات خدمية مجالها الثقافة وليست  مؤسسات ثقافية مهمتها تمرير ونشر خطاب السلطة السياسة أياً كانت حتى لو كانت هذه السلطة مختارة وديمقراطية. كما نعرف جميعاً لا يوجد حل سحري لإبطال أجهزة الدولة الأيديولوجية من تمرير خطاب سلطة ما إلى كل مكان ولكن هناك طرق لتحجيم هذا التمرير على الأقل

4- أربعة
ليس نشر الكتب عبر الهيئة العامة للكتاب والمركز القومي للترجمة  وهيئة قصور الثقافة وغيرها فقط بل توزيع هذه الكتب مجاناً على مكتبات الجامعات وقصور الثقافة بل والمكتبات الأهلية. وجود مخازن تتعرض فيها الكتب المكدسة للمياة وللفئران هو عبث لا يمكن تصوره إلا في أفلام الرعب. دعم دور النشر المستقلة والصغيرة بشراء مطبوعاتها وتوزيعها على المكتبات العامة وإجراء اتفاقيات يتم عبرها بيع هذه الكتب لمكتبات في العالم العربي وخارجه هو جزء من الخدمة الثقافية التي يجب أن تقوم بها مؤسسات الدولة

5-   خمسة     

مصادر المعرفة ليست كتباً فقط، بل أفلام، ووسائل اتصال تكنولوجية توفر المعلومات والبحث في الجامعات والمدارس والمراكز الثقافية. فهناك مدن وقرى كبيرة بلا مكتبة عامة واحدة، وهناك مكتبات فيها كتب فقط ولا يتوفر بها خرائط وأفلام ودورات تدريبية للرسم والكتابة والتطريزوالفيديو آرت وغيره وهذا نزوع لحصر مفهوم المعرفة في القراءة. مؤسسات خدمة الثقافة يجب أن توفر مواقع على الانترنت يمكن البحث فيها عن كل ما يخص نشاطاتها

    6-  ستة
وزارة الثقافة كما عهدناها كانت معزولة ومتعالية على الوزارات الأخرى؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر ما كان يقوم به  المجلس الأعلى للثقافة من مؤتمرات أكاديمية كان يمكن أن تقوم الجامعات بما هو أفضل منه من حيث التعدد والاتصال والمشاركة إذا توفر لها نفس المال بالإضافة إلى إلغاء كل القوانين المقيدة للبحث والتجمع ولحرية أعضاء هيئات التدريس. ما يجب التفكير فيه هو وسائل غير محدودة لربط مؤسسات خدمة الثقافة مع كافة المؤسسات الأخرى وسأضرب أمثلة قد تبدو بسيطة:  مساهمة مثقفين ومتخصصين في إقامة دورات تدريبية دورية بالاشتراك مع وزارة التعليم للمدرسين والعاملين بالمكتبات المدرسية والحكومية. إخراج المؤتمرات الثقافية من مبنى الأوبرا إلى الجامعات والساحات العامة لأن الكتاب المدعويين والموسيقيين والأفلام يدفع تكلفتها كل المصريين ويجب أن تكون خدمة ثقافية لهم جميعاً.  الاشتراك مع وزارة الصحة والإعلام في تعميم ونشر معلومات عن تحديد النسل وسرطان الثدي وخطر التلوث وحلوى الأطفال الملونة وغيره. أتحدث هنا عن مشاركة وتخطيط يوفر المعلومات ولا يهين ذكاء الناس وقدراتهم على التفكير ببرامج توعية أحادية ومتخلفة تذكروا برامج التوعية عن مرض البلهارسيا كمثال يجب التوقف عن انتاجه

7-    سبعة
أي دور ممكن لمؤسسات خدمة الثقافة بالدولة لا يمكن أن يكون بمحاربة الجمعيات الأهلية المستقلة يعزلها أو باستقطابهاعلى طريقة فاروق حسني، بل بالحفاظ على استقلاليتها مع الاستعانة بها في إيصال نشاطاتها لأكبر قدر ممكن من الأفراد. عندي مثال؛ جمعية مثل المورد الثقافي، لماذا لا يتم دعوة نشاطاتها في مراكز شتى. فورد فاونديشن التي حافظت على بقاء بعض الفرق الموسيقية مثل الطنبورة لماذا لا يتم التنسيق معها بدلاً من الاكتفاء بتجريم أي مؤسسة أجنبية وكأن الثقافة الوطنية النقية والعذراء مهددة ومستهدفة من كل غريب
!!.

8-    ثمانية
إقامة مهرجانات تحت عناوين مختلفة يتم فيها دعوة نفس الصحفيين والمتنفذين الثقافيين في بلادهم، وإقامة لجان ميتة للشعر والرواية والمسرح يقوم فيها بعض المصلحين من الداخل والانتهازيين بتسييد ذوقهم الأدبي ومصالحهم الضيقة من نقود مقابل الاجتماعات وسفريات وجوائز كان من مظاهر الفساد الذي تحكم في وزارة الثقافة لسنوات. لن أضرب أمثلة لأن الجميع يعرفها، ولكني أقول إن ذلك لن يتغير إلا بعمل قوانين صارمة تجعل أعضاء هذه اللجان – التي أتمنى ألا يكون لها وجود أصلاً- بالانتخاب، وتحرم عليهم السفريات والجوائز والمنح التي يتم تقريرها باللجان التي هم أعضاء فيها طوال فترة عضويتهم

9-    تسعة
العالم الذي نعيش فيه ليس هو العالم العربي وأوربا فقط، افريقيا وإيران وآسيا وأمريكا اللاتينية هم جزء منه!! أن يحرم المصريين من مشاهدة الأفلام الإيرانية سنوات ما بعد ثورتهم الاسلامية أو يتم الحجر على فرق عرب اسرائيل المسرحية  من المشاركة هو اعتداء على حرية المعرفة واستمرار لتحكم السياسي (السلطوي) في الثقافي (المتعدد) ويجب مراجعة مثل هذه القرارات من المثقفين أنفسهم

10-                        عشرة
المراكز الثقافية المصرية في الخارج هي مزج عادل بين خطاب الدولة الشمولية الستينية التي تسعى لتحسين صورتها من ناحية وفساد حكومة مبارك السابقة عبر تعيين الجهلاء وأصحاب الوسائط من ناحية أخرى. مهمة هذه المراكز الأولى يجب أن تكون تقديم خدمة ثقافية للمغتربين وللمهتمين بالآداب والفنون. يجب أن تقوم باقتراح ومد المكتبات والمؤسسات الثقافية في أماكن وجودها بقوائم للكتب ودور النشر الصغيرة وغيرها. يجب أن تقوم بتقديم منح واستضافة كتاب شباب ومعارض وفرق من داخل مصر ليجربوا لشهر أو أكثر الحياة في مكان آخر

وأخيراً ليست هذه المساهمة إلا لفتح حوار وأنا متأكدة أن هناك أفكار أكثر أهمية ستأتي ممن يعرفون أكثر مني تكوين ما نريد تفكيكه وهو وزارة الثقافة. الثورة المصرية لم تكن من أجل دولة ديمقراطية ومدنية فقط، بل من أجل أن يعود كل الذين اكتشفوا أن هناك أمل ليمارسوا انتمائهم عبر وجودهم في 
صفوف معارضة حقيقية في المستقبل